السبت، 24 ديسمبر 2011

" من مذكرات مدمن إنترنت " .. قصة قصيرة .. من الذكريات





من دفتر الذكريات أسجل إحدى خواطرى بيوم ما منذ ما يزيد عن العامين والنصف، وكانت بليلة لا أنساها أبداً... وكانت النتيجة إحدى الخربشات الأدبية التى لم ترتقى لغتها ورصانة كلماتها، إلى مستوى مشاعرى يومها.






وهذه قصاصة من دفترى بتاريخها تحديداً:







 الان تابعواااا التفصيـل 


 لف صديقنا رأسه وكأنه أفاق من سبات عميق , وكأن الذى افاقه هو صوت الهاتف , نفس الزمان , نفس المكان ونفس الجو الكئيب الذى كان يسيطر على نفسه,هذا كل ما يذكره صاحبنا رنة موبايله التى لم تتغير حتى الان , مر وقت لا يدرى ان كان طال او قصر ليست هذه المشكلة,المشكلة تكمن فى نفس الاحساس الذى تلاحم عند صاحبنا وأعاد تفكيره الى آخر شئ يذكره وكأنه لم يغفو ولو ثانية ! سبحان مقلب الاحوال !
تيهة وتعب وكانك لاول مرة ترى الدنيا وتفاجأ بها , نظرات تخرق هاتفه الذى ما زال يرن ورنينه يجعل صاحبنا يذهب بعينيه الى كل الاتجاهات فى هاتفه دون ان يمسك به , وكأنه يخاف منه , ارتعدت يد صاحبنا وهو يحاول ان يمسكه,  فجأة انهار صديقنا فى البكاء حينما توقف الرنين وظهر على الشاشة تذكير بعيد ميلاد شخص عزيز عليه وكان يظهرعلى شاشته كلمة تهنئة, ارتبك صاحبنا وارتعشت اطرافه ووقع على الارض وكأنه رأى شبحا من تلك الكلمة , انهارت الدموع من عين صاحبنا واصبح لا يرى الا بريق دموعه المتناثرة على انحاء وجهه.
حاول صاحبنا ان يقف على قدميه ليمسك الهاتف ويتاكد منه ثانية, لم يستطع , سقط صاحبنا كأنه أصيب بشلل وحاول حتى قام ووصل اليه وامسكه وفتح باب غرفته وحاول ان يقرأ ثانية تلك الكلمات ولكن دون جدوى لقد كانت دموعه حاجزا منيعا , لقد حالت بينه وبين تلك الكلمات خرج وهو شبه انسان كأنه هيكل عظمى يتحرك , نادى امه التى اقتربت منه وبصوت أم _ خفق على ابنها الذى اصبح فى عداد الاموات _ لم تستطع الام ان تتمالك نفسها فانهارت وانهالت سيول الدموع من عينيها حتى انها لم تعد ترى ابنها , فقط تحضنه وتربت على عنقه وتقبله بشدة كانها لم تره منذ سنين .
لقاء ربما لم تكن فيه لغة سوى الدموع , كان صاحبنا يشيرلامه وكانه فقد القدرة على الكلام , اجتذبته امه الى صدرها كانها ترد على كلامه بدفء قلبها ومشاعرها , وبحضن الام استطاعت فى دقائق ان تهدأ من روعه بعد ان قرات له آيات من القرآن الكريم , دخل صاحبنا على غرفته ارتمى على سريره راميا ذراعيه الى جواره وكأنهما لا يتبعانه , جلست امه الى طرف السرير وعادت لتتلو آيات من القرءان حتى بدأ صاحبنا يهدأ وبدأ صوته يتحرك قليلا ويقول يارب !.
انطلق لسان صاحبنا وبدأ يتحدث مع امه ويقول  لها : مرهق وأحس أن بى كآبة لا حدود لها يا أمى , ابتسمت امه ابتسامة أخفت وراءها آلام أم ترى ابنها أمامها فى صورة رفات ناطق!, قالت ولدى حبيبى انت عارف انت ايه بالنسبة لى , أجابتها دموع ابنها التى انهمرت وكأنها سيل قادم واعصار ينحشر فى حنجرته يكاد يفتك به. لم تتمالك الأم نفسها وارتمت على ابنها وهى تقول كتير حذرتك يا ابنى انت اللى كنت مش بتسمع الكلام , سنة كاملة وانت غايب عن الدنيا متعرفشى حد ولا تكلم حد , لم تستطع أن تكمل كلامها , وانكبت الام على ابنها وهى تقول له وحشتنى أوى .
كان لهذا الحضن أثره الواضح على صاحبنا حيث بدأ يحرك يديه ويتكلم بطلاقة اكثر ويقول لها ماما انا نايم بقالى سنة وكنت بحلم , ولا كنت عايش واللى كنت فيه كان حقيقة , بدأت الأم تتكلم هى الاخرى بعد أن هدأ روعها وقالت كتير قلت لك سيبك من احلامك الوردية اللى انت عايشها , دايما الدنيا جميلة فى عنيك , عمرك ما شفت منه غير كده والاكبر انك عاوز تكون الدنيا زى ما هى فى عينيك  وده مش هيحصل لان الدنيا فيها الوحش وفيها الحلو ولازم نعرف الاتنين.  حبيبى انا معرفش اى حاجة غير انك طول السنة دى كنت تيجى تدخل وتقفل على نفسك وتبقى على النت بالايام , دكاترة كتير شافوك وكلهم يقولوا نفس الكلام انك فى حالة اغتراب كانك مش رضيت عن الواقع فانفصلت عنه وسيبته بحلوه  ومره ومعنتش شايف ولا سامع مننا اى حاجة , المشكلة انى لما كنت اكلمك مكنتش ترد عليا وكانك مش سامعنى ولما تشوفنى متبصش وكان عيونك مش شيفانى , ربنا العالم ازاى مرت السنة دى عليا , بعد موت البنت اللى كنت بتحبها انت تعبت وبعدين بدات تدمن الوحدة والنت وسيبتنا خالص  وكنت بشوفك دايما قاعد نايم وبردو مشغل الجهاز اخاف اقترب اعمل لك اى شئ يضرك زى ما قال الدكتور , اللى عارفاه انك ربنا بيحبك ورايد لك الخير لانط طيب وطول عمرك الناس كلها بتحبك ,انت بس اللى سيبت نفسك للاوهام, خلاص بقى ربنا يعينك عشان تعوض اللى فات بس لازم تنسى , قاطع صوت الام اذان الحق يعلو فى ارجاء الحى  ,وكأن صاحبنا كان ينتظر هذه اليد التى مدت له لكى يخرج مما هو فيه, ذهب صاحبنا وتوضأ وامه تسير خلفه وكأنه ملك يتهادى , وفتح الباب ونزل الى الصلاة .
كانت خطوات صاحبنا متثاقلة , فعادة هناك ذكريات تطاردنا "ذكريات عشناها وذكريات كنا نتمنى ان نعيشها" . كان صاحبنا يبتسم تارة ويعبس تارة أخرى ويهز رأسه أحيانا كأنه يستعيد شيئا من ذاكرته فبعد فقدانه احب الناس اليه وكانت جارته التى كان يحبها بشدة لدرجة الامتلاك ,ولكن هى الدنيا لم تجعل سعادته تدوم كثيرا فقد أتى أمر الله واختارها ورحلت عن الدنيا. تذكر صاحبنا كيف سافر أهلها الذين صدموا فى وفاة ابنتهم الوحيدة الى دولة أخرى حتى يتغلبوا على الاحزان فكانت ابنتهم الوحيدة لم يستطيعوا البقاء فرحلوا , رحلوا ومعهم أجمل ذكريات لصاحبنا الذى كان يعيش معهم وكانه ابنهم لعل رائحة الذكريات تطفئ النار المستعرة بين أضلعه ولكن سافروا ومعهم كل شئ . تذكر صاحبنا كيف لجأ الى العزلة والانترنت وكيف تعرف  بتلك الفتاة التى ظهرت فى حياته لتلهمه بعض العزاء فى فقدانه روحه ,تذكر صاحبنا كيف قوت العلاقة بينهما  وكيف كانت بالنسبة له.
 عام كامل غاب عن العالم ليعيش فيها , عام كامل كان يستغنى عن الهواء الذى يتنفس ليستنشق عبق حديثها معه .  بدأ صوت صديقنا يعلو كانه يحدث نفسه وهو يتسآل كيف انه فى مثل هذا اليوم يوم عيد ميلاد حبيبته وهو ايضا كان يوم وفاتها ,كيف تعرف على تلك الفتاة التى ليست من بلده وكيف عاشا قصة لا يمكن ان تسمى قصة حب بل قصة لن يستطيع ان ينسى ذكرياتها ابدا مهما مر الزمان رغم انهما لم يلتقيا ولو مرة , كيف ترك الجميع من خلفه عام كامل لا يكلم احدا الا هى ولا ينظر لصورة غيرها حتى انه لم يعد يذكر ملامح وجهه  فكل شئ يحدده بها . تذكر صاحبنا كيف تعرف عليها فى ذاك اليوم , وكيف تقربا من بعضهما حتى تبادلا ارقام الهاتف وتواعدا بكثير من الحديث فيما بعد . كان صاحبنا يسير الى المسجد وكلما مر على مسجد فاته ليذهب الى اخر وكأنه لا يريد ان يقطع افكار تلك الذكريات , وتذكر ايضا اخر حادث تعرضت له تلك الفتاة وكيف اصبحت فى حكم المستحيل بالنسبة له , وتذكر آخر حديث بينهما حين حدثته وقالت ساحدثك الليلة على الهاتف  ولكن الغريب أنها لم تحدثه والاغرب انه حين افاق من تلك الصدمة على رنين هاتفه وجد رقما يشبه رقمها الى حد كبير ولكن تاكد انها ليست هى . وكان اتصال خاطئ قد جائه!.
ما اثار استغراب صاحبنا وأودى به الى تلك الحالة التى مر بها هو انه حتى الان لا يدرى هل ما حدث مع تلك الفتاة حقيقة ام انه مجرد حلم طويل رافقه طوال تلك السنة كمجرد رد فعل لا ارادى بعد فقدانه حبيبته


  



ملحلوظة !
المصدر خاص بنا ولنا حقه الكامل فى إعادة نشره، فى أى وقت، ويمكن الإطلاع عليه من :

هناك تعليقان (2) :

  1. ما شاء الله ... انا أتأثرت جداً بجد .. وعشت اللحظه كأنى أجسدها واقوم بتخيلها كاملاً .. جميله بجد ياأحمد !!

    ردحذف
    الردود
    1. تسلم يا عبده، اجمل شئ انك تعيشها كانك انت البطل <3

      حذف

هذا ما كان منى، فاللهم اغفر لى ما أخطأت فيه