الأحد، 8 يناير 2012

لأى حد يمكن أن يكون العطاء بين الناس

بين طيات الكتب الكثير من المعرفة، وبين الشوارع والحارات الأكثر؛ هكذا تعلمت من الحياة، منذ فترة ليست ببعيدة طالعت إحدى الخواطر العابرة التى تأتينى عبر الإيميل أو من  خلال أى تحديثات الأصدقاء عبر المواقع المختلفة، , وكانت القصة بسيطة جداً، ولا تتعدى سطرين، ولكنها وإن كانت من نسج الخيال فإنها لم تأت من كوكب آخر بل من الأرض ومن سكنوها، وبالتالى هى فكرة فى العقول ولو اندثرت ولكنها كالنار تحت الرماد لم تمت بل تحتاج من ينفخ فيها ليشعلها من جديد، سأذكرها فى موجز قصير :



ارتبط شخص أعمى بإنسانة جميلة وليست عمياء مثله، ولكنها صبرت عليه، ورضت بما هو فيه، ولكن كان دائم القول ليت لى أعين لأراك بها، ومر الوت ووصلته رسالة من أحد الدكاترة يخبره بأنه هناك شخص ما وافق على وهبه عينيه وعن رضا وقناعة، فرح الشاب بالأمر جداً، وجاء يوم العملية ونجحت وحمد الله كثيراً، واتصل بحبيبته ليخبرها أنه اليوم أصبح قادراً على رؤيتها وأخيراً سيتحقق الحلم، وبالفعل ذهب إليها؛ وفوجئ بالقاصمة... إنها عمياء ضريرة لاحول لها ولا قوة، وباغتها بكلمته التى نزلت كالصاعقة عليها؛ ليتنى ما بصرت لأراكى وأعرف أنك عمياء كما كنت، واعتذر لها عن صعوبة البقاء سوياً، فكان الرد قاتلاً، كما تحب ولكن حافظ على عينيك جيداً، فقد كنت أنا من وهبك إياهم لتتحقق أمنيتك الكبرى برؤيتى,,, وانصرفت!


الأمر ربما يكون مبالغاً فيه من خيال شخص ما عبر بجماح فكره لتلك الفكرة الرائعة، ولكن هو لم يبتكر شيئاً لا وجود له، لربما هى فكرة ورغبة فى خياله حول علاقة البشر ببعضهم، أو ربما هو حالم مجنون أحب أن يوجد لنفسه مثيل ولو بين سطور ورقة تتقاذها الأيادى، الأمر ليس بدعة، ولا محاولة للتميز عن باقى البشر بنوع من الرقى والرفعة فى المشاعر والأحاسيس بل هو مجرد رحلة لأعماق النفس ومعرفة لأى مدى هى قادرة على العطاء.
تسائلت كثيراً، هل يمكن للحب أن يبلغنا تلك المرحلة اللامتناهية من العطاء، هل للحب سلطان فى القضاء على الأنا الداخلى بكل إنسان؟، الإجابة لا تحتاج لرد؛ نعم يمكن أن يفعل هذا وأكثر من هذا، أما رأيت الأم وماذا يمكن أن تقدم لأولادها، إلى مدى ممكن أن تضحى من أجلك أمك؟! هذه بداية الإجابة الحقيقية .. نعم للحب قدرة على أن يفعل هذا وأكثر.


تذكرت مرة واحدة من أروع السطور التى مرت علىّ بحياتى، حول رجل من السلف الصالح قيل له لأى حد تحب أخاك قال للحد الذى يجعلنى أهبه إحدى عيناى، وأبقى على الأخرى لأتمكن من رؤيته بها، الأمر موجود داخلياً فى كل منا ولكن فقط تراكم الأفعال السيئة أفقده بريقه، وأذهب عنه لمعانه ورونقه.
الأمر ليس فى العقيدة الإسلامية فقط، بل فى المسيحية أيضاً، فكما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفدونه بأرواحهم، ويموتون دونه، كان عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والسلام محط حب رفقته جميعهم، والمتدبر لما حدث، يجد أنه بالحب فقط رفع الله عيسى إلى السماء، قال عيسى عليه السلام فى معنى الحوار من يحل عليه الشبه -يقصد شبهه- ويكون رفيقى فى الجنة، فصمت الناس وقام أحد الشباب وقال أنا، فكررها فلم يستجب إلا نفس الشخص، وبالفعل كان هو مكان عيسى عليه السلام، الشاهد هو أن الحب الخالص الذى إكتملت أركانه، هو وحده القادر على كل هذا، القادر على إحلال السلام النفسى بداخلنا، هو وحده فقط السلطان الأقوى من الأنا، من يستحق روحى وليس جسدى او جزء من جسدى؛ إلا شخص هو أقرب إلىّ من نفسى، هكذا العطاء يكون. بالحب تحيا الخلائق.
فى مجتمعنا الحديث، جاع الناس، ومرضوا، ومات معظمهم، من الحاجة، وما لشئ إلا حينما ضاع الحب من قلوبهم، الحب هنا هو حب الخير، وليس الخير بالمعنى المخصص فى العقول الضيقة الذى يرجعونه لعقيدة أو مذهب معين، الحب هنا مفهومه بعقلى أشمل وأوسع، يشمل الناس صغيرهم وكبيرهم، حقيرهم وعظيمهم، عزيزهم وذليلهم، المذنب قبل البرئ، والكافر قبل المؤمن، الكل لح حق فى ذلك النعيم المسمى بالخير، لن يخرج العالم من كبوته إلا بالحب . الحب الذى يجعل الغنى على يقين بأن معدته لن تسع ما لديه ولغيره من الناس بطون خاوية فليذكرهم فى كل وقت، الحب الذى يجعل المعافى عليه حق لكل مريض ومبتلى بوجع، إما من ماله أو أضعف الخير شئ من تواصل ورحم ودعاء، الحب الذى يجعل الملوك وساكنى القصور على دراية بمن دونهم ولهم فى عيشهم حظ ونصيب.
أشعر أن العالم به سيتغير كثيراً، وتذكرت قولة عيسى بن مريم عليهما رضوان الله وسلامه حين قال 
لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة مشى على الماء، ولكن بصيغة أخرى أقتبسها وأقول، لو أن لابن آدم ذرة من إحساس وشعور لأحب للخلق ما أحبه لنفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، صلوات ربى عليك يا رسول الله - وما ينطق عن الهوء - شئ يحير العقول ما هذه الحكمة والنظرة الثاقبة فى جزء من حديث طويل يقول فيه
لا تَجْمَعُوا مَا لا تَأْكُلُونَ وَلا تَبْنُوا مَا لا تَسْكُنُونَ )


لك ولنفسى كلمة لا أنساها وجدتها فى أحد المنتديات منسوبة لنبى الله عيسى عليه السلام 


لا تطرحوا اللــؤْلــؤَ إلى الخِنزير , فإنه لا يصنع باللؤلؤِ شيئا , ولا تُعطوا الحكمة من لا يريدُها , فالحكمة خيرٌ من اللؤلؤِ , ومن لا يريدها شرٌّ من الخنزير

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

هذا ما كان منى، فاللهم اغفر لى ما أخطأت فيه