الخميس، 7 فبراير 2013

هاجر




طلب منى صديق انى اكتب قصة عن الصدفة، بس انا مش لاقى ابطال تستاهل اختصاصى لهم بالصدفة، فممكن اسرد الف قصة، الف أمل، وألف انكسار، مواقف بنظرة بتشكل قصة، حرام اوزع الصدفة على اشخاص بعينهم، ليه مين يستاهل؟ أُنعم عليه بأجمل ما فى الدنيا "صدفة "

اليوم ممل وحار جداً فتلك طبيعة المدينة التى لا تنام، المدينة التى يحوى كل كيلومتر مربع فيها عشرات الألسنة من شتى أنحاء الدنيا، الوجوه غريبة لا آلف منها غير المُبتسم وتكون دائما صدفة حين يلتقى الوجهان، بدات اطرافى ترتخى من رطوبة الجو، أريد ان أشرب، وأرتاح قليلا. اقتربت من قهوة اعتدت الجلوس فيها، وكالعادة يأتى الصبى بابتسامة المتأنف من ازدحام المكان وكثرة طلبات الزبائن. على غير العادة المكان مزدحم بالفعل، على الأقل فى هذا التوقيت من اليوم لا يتواجد فيه هذا العدد، أين العمال، وأين مُديرى المواقع من أماكن عملهم فى هذه الساعة، من يُسير الدنيا إن بقى هؤلاء كلهم هنا، اتخذت مقعدى الدائم وجلست،وخلفى جلست فتاتان على مقاعد عربية افترشوا بها الأرض معهم صبى صغير لا يتجاوز عمره الخمسة أعوام تحتضنه أحدهما بذراعيها لا تكاد تفلته، والأخرى تهز جسمها مع أنغام موسيقى أغانى لم أركز معها لأعرف لمن هى؟!. جلست وبدأت ألف برأسى أطوف بالمكان وكل ترابيزة فيه أحاول أن أتعرف على الناس من أشكالهم. لفت نظرى ذلك المقعد فى الركن المقابل للمقعد الذى أجلس فيه جلست سيدة قاربت منتصف عقدها الرابع فى هيئة امرأة ممن اعتدت رؤيتهم فى هذه البلدة، لا أهتم بهم كثيراً لا شكلاً ولا مضموناً، أردت فقط أن أتحرك بالكرسى لكى أتأكد من تلك الدنيا التى رأيتها تلف وجه تلك السيدة لتعزلها عن عالمنا، ما رأيت كآبة ولاحزن كما رأيته حولها ولا استشعرت قيمة ما انا فيه إلا من إيماءات وهزات رأسها المتكررة وهى تراقب الناس حولها كانها تلومهم، كأنها تستجديهم فى شئ لمَّا أعرفه بعد، لا أعرف ما سر تلك السيجارة المشتعلة بيدها لا تنطفئ، ما بك يكفيك يا امرأة! أطفئيها.

بدأت الأفكار تتصارع فى رأسى، من هى وماذا ورائها من حكايات؟ إن بها ألف قصة، وألف رواية، ليس هذا لبشر عادى، ولو كان، لما لم أنجذب لتلك النصف عاريتان خلفى؛ لأحللهم وأرى ما ورائهم من أخبار وحكاوى؛ لا أظنهم اكثر من زوجتان لرجلين كبَّتهم الحياة على وجوههم، فداستهم زوجاتهن وهما الآن يبذلان كل الجهد فى صرف ما يسف ترابه أزواجهم، أو ربما تكون ساقطتان فى بداية عملهم، وها هم يلقون الطعم لعل الشبكة تصطاد أحدهم ممن يبتغون المتعة الرخيصة، لم أهتم بهم، لكن تلك المراة ورائها الكثير، لقد قررت وبلا تردد أن أقوم من مكانى وبدون مقدمات، اتجهت نحوها، وسحبت كرسى مقابل لها بنفس الترابيزة، وقلت لها تسمحى لى المكان زحمة، وطبعا مضطر بس لازم اقعد ومفتكرش هتكسفينى ولا هتردينى ارجع؟، ابتسمت ابتسامة لا أعرف لها طعم وقالت حضرتك قعدت خلاص، بس اكيد لو قلتى لى قوم هقوم؟ لا وعلى ايه خليك.... 

كنت تركت الشاى على ترابيزتى هناك، فطلبت من الصبى أن ياتينى بفنجان قهوة، وعدت كما كنت أمسك علبة سجائرى أحركها بين كفى لا أنظر لغير وجهها، لدرجة أنها رغم تلك الرحلة الغيبية التى تدور فيها لاحظت تملقى لها، فاستعجبت وسئلت، ممكن اعرف حضرتك مركز معايا اوى كده ليه؟ وحضرتك القمر عمره سئل حد بيبص عليه ليه! مجاملة او نفاق ايا كانت نيتها، جعلتها ترتخى أكثر، وتنبسط معى، وكأن الكلمة أسقطت تلك السحب التى بيننا، ولطفت الجو جداً؛ لدرجة انى أخرجت سيجارة وعزمت بها عليها فتناولتها بابتسامة شاكرة وقالت بس انا مبشربش النوع ده بيتعبنى، طيب تحبى اجيبلك نوع تانى، لالا خلاص انا هشربها لانها منك، واشعلتها لك بشياكة، اعطتها ثقة أكثر بنفسها جعلت جسدها يأخذ وضعية المستسلم الراضى بالمكان والرفقة، أول مرة منذ نصف ساعة أراها هكذا، إننى ألاحظ فرق التغيير عليها الآن كما أفرق بين الليل والنهار، دقائق ونحن نتبادل الكلام العابر بخصوص الشغل وتعليقاتى الظريفة التى ربما تضحكها أو تجعلها تستعجب منه أحياناً، هكذا الحياة تظل راكدة لا تسير إلا بوجود احدهما بجوارنا، بعض الكلمات تُنبت فينا الأمل ولو كنا على فراش الموت، ما أجملها الرفقة إن كانت مع شخصٌ يعرف كيف يُحرك بنا الكلمات، ألا تعتقدون أننا نتخلى عن تلك النعمة، ونظل حبيسى الجدران لا نعرف، لا نُصادق، لا نُحب؛ ولا نترك لأحدهم فرصة المرور إلينا!.

الأمر بدا وكأننا جئنا معاً، وتعالت ضحكاتها وبدأت تزيح ستارها عنى، لتُخبرنى أنها سيدة  أعمال هنا بالمدينة، وأنها تسكن بمفردها فى إحدى الفيلات هناك، وأنها تمتلك شركة عقارية، ولم تتزوج!، أخبرتنى كيف مر العمر، وكيف ألقاها على شاطئ الخمسين بلا صحبة، ولا أولاد، حدثتنى أكثر عن رفضها الدائم للأزواج وكيف كانوا يطمعون فيها، كيف اكتشفت فجأة أن الجمال يرحل، وان فرص اللقاء بأولئك المفترض علينا الإلتقاء بهم ندرت، حتى أجدب العمر وجف الزمان بأمطار الأحبة عليها، اخبرتنى كيف وضعت نفسها بخندق لا تمد يداً إلا آخذة أو مُعطية، أخبرتنى أن لليد استخدامات أخرى عرفتها مؤخراً وأن فى الحياة ألف سبيل اختارت أجدبها وأظلمها، وصفت لى كيف ذبلت عينيها من افتقاد النظر إلى حبيب يخضر معه العمر. بدأت أشعر ان الجو والغيوم حلت علينا ثانية فأردت ان أغير مزاجها فطلبت منها أن أعزمها على شئ على حسابها فضحكت وقالت لى أنا مفلسة، طبعا انا وانتى هنغسل الكوبايات اللى شربنا فيها يلا مش مشكلة اطلبى تانى، ونغسل سوا، تعالت ضحكاتها وبالفعل طلبنا قهوة أخرى، وشربناها وبدا الكلام يلطف الجو مرة أخرى، فشعرت بها هادئة كنسمة صيف باردة، ما عدت أرى ذلك الوجوم والحزن الذى حللت ضيفا عليه منذ أكثر من ساعة، أرى إنسانا ينبض، وروحا تمرح، ولكن قاطع حديثنا رنين هاتفى، وإذا به السائق قد وصل، وعلىَ أن أرحل، انا بالفعل سعدت بيكى كلماتى نزلت عليها كسيل غيوم اعتلت وجهها، وبدت كما كانت، أكيد هنتقابل تانى انا هنا كل يومين وابتسمت لها ضاحكا وجمعت شنطتى وسجائرى وذهب لأدفع الحساب كلها، ثم التفت لها قائلا خلاص براءة مفيش غسيل، واتجهت نحو السيارة المنتظرة، لم يكن  الأمر بحاجة لتفسير، كل ما فى الأمر أنى حين أردت كنت أنا التغيير.



تنويه
أعتذر لكل من كسرت قلبه، أو بعثرت بغموضى حلم كان يظنه يقترب، الأخطاء كثيرة، والعمر مقسوما بين الفعل والإعتذار، لا وقت للندم، أنا أخطأت وإعتذرت فابتسم



هناك 4 تعليقات :

  1. روووووووووعة جداً وطريقة عرضها قوية

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا يا سمية رايك مشجع عكس ناس مثبطة خصوصا انها مكتوبة من مرة واحدة بلا حتى مراجعة :)منورانى دايما

      حذف

هذا ما كان منى، فاللهم اغفر لى ما أخطأت فيه